عودة دونالد ترامب للرئاسة والتأثيرات المحتملة على الاقتصاد الأمريكي
عودة دونالد ترامب للرئاسة تحمل معها الكثير من التساؤلات حيال مستقبل الاقتصاد الأمريكي، في ظل الاختلافات الكبيرة التي قد تطرأ على السياسات الأمريكية المؤثّرة على الاقتصاد برمّته وجميع أركانه.
- وعود بجعل اقتصاد أميركا قوي، والتنفيذ صعب
- بداية قد تكون موفقّة لكن المستقبل مشكوك فيه
- حروب التجارة تقلق العالم، وترامب داعم لها
- آمال المواطن الأمريكي كبيرة، والعقبات أمام ترامب أكبر
- أسعار فائدة تصب ضد صالح ترامب
- تخفيضات ضريبية ومخاوف أزمة ديون أمريكية
كيف تأثّرت الأسواق مباشرة بعد فوز دونالد ترامب؟
اشتهر الرئيس السابق دونالد ترامب بموقفه الحادة جداً حيال السياسات التجارية الخارجية، وتفضيل خفض الضرائب داخلياً.
كما ويفضّل دونالد ترامب تخفيف القيود التنظيمية على المنشآت التجارية والمالية الداخلية وتشديدها على الخارجيّة.
ويواجه الاقتصاد الأمريكي الآن تغيّرات ربما تكون تاريخيّة من ناحية الانقلاب الكبير في السياسات المحتملة لدونالد ترامب مع سياسات سابقه جو بايدن.
وتعرّض الاقتصاد الأمريكي خلال فترة رئاسة جو بايدن لأسوأ معدّلات تضخّم منذ ثمانينيّات القرن الماضي.
وسجّل مؤشر أسعار المستهلكين الأمريكي شهر يونيو عام 2022 مستوى 9.1%، وهو أعلى مستوى للتضخّم منذ نوفمبر 1982.
كما وشعر المواطن الأمريكي خلال فترة رئاسة جو بايدن بارتفاع هائل بأسعار الفائدة.
وإحباط الناخبين من ناحية اقتصادية كان أحد أهم الأسباب وراء إعادة انتخاب دونالد ترامب.
فالنمو الاقتصادي الأمريكي الذي استمر في أغلب الأحيان خلال فترة جو بايدن، لم يكن على مستوى جيد للمواطنين بفعل ارتفاع التضخّم.
لكن مع دونالد ترامب، تغيّرات كبيرة قد تحصل ربما لا تكون كلّها ذات تأثير إيجابي على المواطن الأمريكي، لكن الآمال باقتصاد أفضل واحد من الأسباب الهامة وراء عودة دونالد ترامب للرئاسة في أميركا.
عودة دونالد ترامب للرئاسة وأبرز سياساته الاقتصادية:
رسوم جمركية وتحديات على الشركات متعددة الجنسيات
وعد دونالد ترامب في حملته الانتخابية بأنه سيفرض رسوماً جمركية على الواردات الأمريكية من الدول الأخرى بنسب تتراوح بين 10% و20%.
كما أشار إلى أنه سيفرض تعرفات جمركية على السلع الصينية بنحو 60%.
وهذا قد يوتر العلاقات التجارية مع عدد كبير من الدول، ليشمل الصين ودول في أوروبا.
وبالتالي، هذا سيضع ضغوطاً كبيرة على التجارة الدولية للولايات المتحدّة، ومخاوف من ردود انتقامية تغذّي ضعف التجارة.
ليس فقط ضعف التجارة هو المقلق، بل ارتفاع سلع الواردات الأمريكية قد يسبب ارتفاعاً بأسعار الواردات، ليرفع معدّلات التضخّم الأمريكي.
وهذه التحديّات التجارية قد تؤثّر على الشركات متعددة الجنسيّات في أميركا، والتي تشمل شركات من كبرى الشركات الأمريكية.
دونالد ترامب يفضّل أن تنتج وتوظّف كبرى الشركات في الداخل الأمريكي، مثل مايكروسوفت وآبل وتسلا وغيرها.
وهذا ما قد يؤثّر بتلك الشركات سلباً لأن تكاليف التوظيف في أميركا أعلى مقارنة بالتوظيف في دول آسيوية أو في قارة جنوب أميركا.
ونرى بأن عودة دونالد ترامب للرئاسة قد تشكّل تحديات لتلك الشركات من ناحية تكاليف التوظيف والإنتاج.
خفض الضرائب
دونالد ترامب متمسّك بسياسة خفض الضرائب على الشركات والأثرياء، ويرى البعض بأن ذلك مفيد له بصفته رجل أعمال!
هذه الخطوة قد تزيد من فرص خلق الوظائف في الولايات المتحدّة، لكن التحدّيات هي في أن هذه الخطوة قد تزيد العجز الحكومي.
كما أن خفض الضرائب الذي قد يقلل الإيرادات الحكوميّة يهدد في تفاقم الديون التي وصلت بالفعل إلى أكثر من 122% من الناتج المحلي الإجمالي.
بالتالي، يرى البعض بأن خفض الضرائب قد يكون إيجابي على المدى لقريب للاقتصاد، لكنّه مدمّر للاقتصاد على المدى البعيد.
دعم شركات الطاقة الكلاسيكية
عودة دونالد ترامب للرئاسة تدعم شركات الطاقة الكلاسيكية والأحفوريّة، وذلك لأن دونالد ترامب أقل اهتماماً بالبيئة.
قد نشهد تحوّلات كبيرة في السياسات حيال القيود البيئيّة المفروضة.
وهذا يعني تقليل القيود على شركات استخراج النفط والغاز والحفّارات وشركات النفط الصخري، مما قد يدعم الإنتاج.
وهذه الخطوة بحد ذاتها تعتبر زيادة للاستقلالية الأمريكية في الطاقة، وتؤكّد استمرارها في مركز المنتج الأوّل للنفط بالعالم.
وعود باقتصاد قوي
القوّة التي تظهر على الاقتصاد الأمريكي بتحقيقه نمو اقتصادي نسبته 2.8% الربع الثالث الماضي.
كما حقق الاقتصاد نموّاً نسبته 3.0% الربع الثاني 2024 ونمو 1.6% الربع الأول 2024.
كلها تمتزج بتحديات كبيرة أمام عودة دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية.
فمنذ استلام جو بايدن للاقتصاد، ارتفع الناتج المحلي الإجمالي من 21.3 ترليون دولار في 2020 إلى 27.4 ترليون في 2023.
وتشير التوقعات لاحتمال ارتفاع أكبر في الناتج المحلي الإجمالي عام 2024.
والنمو الاقتصادي القوي خلال عصر جو بايدن كان بدعم من الإنفاق الحكومي الهائل الذي بدأ مع جائحة كورونا.
كما أن هنالك وظائف شاغرة كثيرة وارتفاع كبير في التوظيف حصل خلال فترة حكم جو بايدن.
لكن آخر قراءات توظيف من الولايات المتحدّة أظهرت انخفاضاً حاداً في الوظائف المستحدثة في القطاعات غير الزراعية.
من هنا، ربما سيبدأ دونالد ترامب فترة ولايته بعد تدهور في الأداء الاقتصادي الأمريكي.
واستلم جو بايدن مقاليد الرئاسة في يناير 2021، عندما بدأ النمو الاقتصادي يرتفع بقوّة والتوظيف يتزايد.
لكن بالنسبة لدونالد ترامب، فسيبدأ أعماله في الـ20 من يناير المقبل 2025 مع احتمال بداية متعثّرة للاقتصاد.
فترة جو بايدن بدأت بمعدّلات فائدة منخفضة جداً قرب الصفر، وفترة دونالد ترامب ستبدأ بأسعار فائدة مرتفعة.
وحتى مع خفض الفائدة المحتمل بـ50 نقطة أساس قبل دخولنا عام 2025، فالفوائد ربما ستكون عند 4.25%-4.50%.
بينما بدء فترة رئاسة جو بايدن الفوائد كانت عند 0.00% – 0.25%، وهذا يعني بأن أسعار الفائدة التي سيبدأ فيها دونالد ترامب فترة رئاسته أعلى بـ425 نقطة مقارنة من المستويات التي بدأت مع بدء فترة جو بايدن.
لذلك، هنالك احتمال كبير لضعف اقتصادي مقبل في السنة الأولى لرئاسة دونالد ترامب، وليس تحسّن اقتصادي.
وسيكون الشغل الشاغل للفترة الأولى هي الحفاظ على نمو اقتصادي مستقر رغم كل تلك التحديات التي تبدو من المستحيل السيطرة عليها.
تحديات اقتصادية أخرى
عودة دونالد ترامب للرئاسة لا تخلو من التحديات الاقتصادية، فنجد أن الإيجارات ارتفعت بنحو 24% في المتوسّط على مدى فترة رئاسة جو بايدن.
كما أن أسعار الرهن العقاري زادت بحوالي 6%، وارتفع متوسط تكلفة الاستهلاك للبقالة 22%.
هذه القراءات قد تكون مساندة لدونالد ترامب، إذ أن النمو بالأسعار ربما سيتراجع مستفيداً من أسعار الفائدة المرتفعة.
لكن، ضمن خطط ترامب ترحيل ملايين المهاجرين مما سيخفّض من تكاليف الإيجارات.
كما أن خفض الفائدة قد يقلل تكاليف الرهن العقاري مع خروج المهاجرين.
لكن في نفس الوقت، ترحيل ملايين المهاجرين غير الشرعيين قد يضر بالإنفاق والاستهلاك.
وعود صعب تنفيذها
اقترح دونالد ترامب عدداً كبيراً من التخفيضات الضريبية، إلا أن الوفاء بهذا الوعد قد يكون صعباً رغم الأغلبية من الجمهوريين في مجلس الشيوخ الأمريكي.
وسبب الصعوبة هو أن الكونجرس سوف يضطر إلى تمرير تشريع لتغيير النظام الضريبي الأمريكي.
وهنالك تقديرات بأن التخفيضات الضريبية لو تم تنفيذها ستسبب زيادة العجز بمقدار 4.1 ترليون دولار كتأثيرات مباشرة وتابعة.
ووعد دونالد ترامب بانه سيخفض الضرائب على الشركات إلى 15%، لكن قد يكون ذلك صعباً.
وربما سيتم خفض الضرائب لكن ليس إلى هذا الحد الذي من شأنه جعل الدين الأمريكي يتدهور أكثر.
وعلى نفس سياق خفض الضرائب، يريد دونالد ترامب أن يعفي دخل الضمان الاجتماعي لكبار السن من الضرائب.
وهذا بحد ذاته سيلغي مدفوعات 40% من المستفيدين من الضمان الاجتماعي للحكومة الفيدرالية.
بينما الـ60% الآخرين قد لا يتم إلغاء الضرائب عنهم لأنّهم يحصلون على مصادر دخل إضافية.
لكن، ربما سيشجّع ذلك الكثيرين على وقف أعمالهم الخارجية للاستفادة من إعفاء الضريبة.
في النتيجة، سيكون هنالك خفض في الإيرادات الحكومية من كلا الجانبين، إلى جانب تقليص الأعمال.
من الصعب جداً التنبؤ بالمستقبل
في ظل عودة دونالد ترامب للرئاسة الأمريكية، ربما سيكون من الصعب جداً التنبّؤ بمستقبل الاقتصاد.
فأغلب خطط دونالد ترامب ووعوده ستحتاج إلى موافقات المشرّعين وأن تتحوّل لقوانين.
ومن ناحية أخرى، الاقتصاد الأمريكي مرّ في مرحلة نمو وتضخّم طويلة، والآن قد حان الوقت لأن يقع في التباطؤ.
وتاريخياً، وقع الاقتصاد الأمريكي في ركود خلال جائحة كورونا، واستمر بالنمو الاقتصادي على مدى أكثر من 4 سنوات.
وضمن الدورات الاقتصادية المتعارف عليها في الولايات المتحدّة، هنالك احتمال كبير لوقوع الاقتصاد الأمريكي بركود خلال فترة رئاسة دونالد ترامب.
بالتالي، ربما سيكون التراجع الاقتصادي الأمريكي تحصيل حاصل خلال فترة دونالد ترامب، مما قد يظهره بصورة سيئة خلال فترة رئاسته حتى لو كانت الخطط التي سيدفع المشرّعين لتطبيقها ذات فوائد اقتصادية في أغلبها.